التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أساطير عربية


الحضارة العربية في الجاهلية كان لها رصيد يُحترم من الأساطير عن الكثير من المخلوقات الخيالية وصُنفت ضمن المرئيات واللامرئيات ، الأرضية مثل السعالي والغيلان ، والسماوية مثل الشياطين والملائكة . 

" الجن "
الجن في معاجم اللغة هو عكس الإنس ، هو الشئ الخفي عن جميع الحواس كالشياطين والملائكة ، بناء علي أن مادة جنن تدل علي الخفاء ، والمعني الجامع للكلمات المشتقة من جنن هو الخفاء ومن ذلك الجنين والجن والجنان .

لما كان الجن عند العرب عكس الإنس فمنطقياً كانت مواطن الجن هي كل مكان غير مسكون ولا آهل ، إذن كانت المفاوز وكل مكان لا أنيس به ، وقد اشتهرت بينهم مواضع ذكروها ونُسبوا إليها ورتبوها ترتيباً ،  أشهرها كان وبار .

" بلاد وبار " 
إن وبار مكان أسطوري لا حقيقة له ، ولم يجد له أحد مكاناً جغرافياً ، زعم العرب أن الجن تسكنه ، وأنه كان في الأصل اسم أمة من الأمم البائدة ، - تلاقت عقول البشر التاريخية حين يتحدث عنه العرب ويشبهوه بالفردوس المفقود ، ونعود للأساطير الغربية حين تتحدث عن أطلانتس المفقود - .. وأنه لا يوجد اليوم في تلك الأرض سوي الجن والإبل الحوشية ، ويزعم العرب في أساطيرهم أن من أراد ودني من تلك الأرض متعمداً أو غالطاً حث حراسها في وجهه التراب فإن أبي الرجوع خبلوه أو حتي قتلوه .. قال عنها الجاحظ : " أنها أخصب بلاد الله وأكثرها شجراً ‘أطيبها ثمراً وأكثرها حباً وعنباً وأكثرها نخلاً وموزاً " .

" بلاد عبقر " 
من المواقع الأسطورية التي ذكرها العرب وإليها يُنسب كل عبقري ، وقال بعضهم أنها في بلاد اليمن أو أنها موضع نواحي اليمامة ، ويقال أيضاً أن عبقر اسم لجبل في الجزيرة كان يصنع فيه الوشي ويعلق " ياقوت الحموي " ، وعبقر في لسان العرب " قرية يسكنها الجن فيما زعموا ينسبون إليها كل عمل دقيق وعظيم " .. وفي رأي بعضهم عبقر كلمة فارسية الأصل من " أبكار " بمعني الرونق ، أو يونانية بمعني الذي تنال يده . 

ذكرت الأساطير علاقات بين الإنس والشياطين والملائكة ، انقسمت تلك العلاقات بين شر وصراعات وبين علاقات إيجابية .

" حوادث مع الجن " 
من أمثال العرب المشهورة "أهدي من دُعيميص الرمل" . والدعيميص في الأصل هو دويبة صغيرة وعلي اسمها سُمي عبد أسود كان داهية يصفه الميداني بأنه كان رجلاً دليلاً خِرّيتاً كان يزعم بعضهم أنه لم يدخل بلاد وبار غيره فقام في موسم وقال :

فمن يُعطيني تسعاً وتسعين بِكرةً  
هجاناً وأدماً أهده لوبار 

فقام رجل من مهرة وأعطاه ما سأل وتحمل معه بأهله وولده ، فلما توسطوا الرمل طمست الجن عين دعيميص فتحير وهلك هو ومن معه في تلك الرمال.

" حوادث إيجابية " 
لهم الكثير ذكروه في أساطيرهم علي مواقف إيجابية حدثت مع الجن ، كأسطورة تزوج عامر بن يربوع من بني تميم السعلاة والإنجاب منها .. أيضاً كقصة الجني عامر الوادي ، ويأتي الجني عامر بشخصية بها أخلاق العرب من الكرم وحسن الضيافة وتسكين روع المسافر بل يذهب بعيداً ويكون عوناً للراعي ، قد حكي أحد الرعاة أنه نزل بواد وجاء ذئب فسلب شاة من غنمه فقام ورفع صوته ونادي : يا عامر الوادي . فسمع صوتاً يقول يا سرحان رد عليه غنمه ، فجاء الذئب وترك الشاة ورحل ، هكذا وصل العرب في مخيلاتهم .

" قراءة في الأساطير " 
إن النظر إلي الأساطير - عامة - علي ضوء العلوم الإنسانية يؤكد أنها حقيقة ثقافية مُعقدة وشكل من الأشكال الرمزية تحتل مجالاً وسيطاً بين الحقيقة والخيال وأن معالجتها ينبغي تكون وفقاً لطبيعتها تلك .

" الكائنات الأسطورية علي المستوي النفسي "
نمتطي سنين الزمان ونعود لسحيق الماضي ، فنستمع لصوت العقل مُخاطباً مُجادلاً .. وكان أبو إسحاق { النظام } يقول : أصل هذا أن القوم لما نزلوا بلاد الوحش عملت فيهم الوحشة ، ومن انفرد وطال مقامه في البلاد والخلاء والبُعد عن الإنس استوحش ولاسيما مع قلة الأشغال والمذاكرين ، والوحدة لا تقطع أيامهم إلا بالمني أو بالتفكير .. والفكر ربما كان من أسباب الوسوسة ، وإذا استوحش الإنسان وفقد أنسه تمثل له الشئ الصغير في صورة الكبير وارتاب وتفرق ذهنه ، وانتفصت أخلاطه فرأي ما لا يري وسمع ما لا يسمع وتوهم علي الشئ الثغير الحقير أنه عظيم جليل .. ثم جعلوا ما تصور لهم من ذلك شعراً تناشدوه وأحاديث توارثوها فازدادوا بذلك إيماناً ، فينشأ علي تلك الخرافات الناشئ ، ورُبيَ به الطفل ، فصار أحدهم حين يتوسط الفيافي وتشتمل عليه الغيضان في الليالي الحنادس ، فعند أول وحشة وفزعة وعند صياح بوم ومجاوبة صدي قد رأي كل باطل وتوهم كل زور .

" التحليل النفسي لمُختلقي الأساطير " 
ما سبق يوضح أن أغلب الأساطير إما تكون تحريف لحقيقة ، أو تأويل وإختلاق .. وهذا يعتمد علي مدي مصداقية من يروي تلك الروايات ، وعلي امكانية تصديق المجتمع المُحيط لتلك الروايات .. ويقول الجاحظ أن أغلب من قام بنسج تلك الخيالات ربما كان في الأصل ، كذاباً نفاجاً ، صاحب تشنيع وتهويل فيقول في ذلك من الشعر علي حسب هذه الصفة فعند ذلك يقول رأيت الغيلان وكلمت السعلاة ...
ثم يتجاوز ذلك إلي أن يقول قتلتها ...
ثم يتجاوز ذلك إلي أن يقول رافقتها .. ثم يتجاوز ذلك يقول تزوجتها .. ودائماً ما يتمادي الإنسان في فعله مالم يجد من يضع له حداً  ، ويزداد أكثر وأكثر إن المجتمع المحيط يتسلي بتلك الخرافات ويستمتع بها حتي يصدقها عقله تدريجياً.

" نشأة الأساطير وتقبلها في المجتمع العربي قديماً " 
قد تبين من استعراض عالم الغيلان والجن والسعالي أنها نشأت علي أصول البدواة وتأثر الخيال بها ، فما كانت سوي إسقاط للواقع علي عالم خيالي صنعته الوحدة والتفرد والخوف من المجهول وما يؤكد ذلك أنها جاءت نشأة وتصديقاً وتقبلاً في عالم البداوة ، بتفاصيل مثل أن الجن لهم قبائلهم وشعرائهم وهم يرعون الحُرمة والذمة كما قد يخطفون الجارية محباً لها وعشقاً ويصارعون السابلة " عابر السبيل " ويوقعون معه ما يوقعون من حوادث ، تنوعت خطابات الأساطير من حيث التصديق والتنوع ، فأما التصديق كان تصديق مجُرد أو تكذيب مُجرد خاصة من العامة الذين لم ينتشتر في أوساطهم الشك بأنواعه وطبقاته ، وأما التنوع فكان إما خطابات الجد والحقيقة وخطابات السخف والخرافة ، وصنفت علي هذا بعد ظهور حاملي راية مضادات الأسطورة وإعمال التفكير المنطقي والبحث الفلسفي وعقلانية الدلالات .

عادة ما نجد الأساطير تدل علي ثقافة ومُخيلة العصر التي صيغت فيه ، ودائماً ما تكون فيها مشاعر انسانية جياشة ، يُمكن أن نعتبر الأساطير رغم مبالغتها تأريخ غير مباشر يُطلعنا علي تجارب الإنسان الفكرية ومحاولاته لفهم الزمان بأبعاده فهي تسجيل للوعي واللاوعي في آن واحد ، فخلاصة القول أن الأسطورة جاءت لتؤكد محاولات الإنسان لعبور العجز عن نفسير الحوادث الزمانية من بداية التاريخ بالخرافة تارة والإعجاز تازة ، فهي علوم عصور ما قبل العلوم. 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أهم 10 حاجات وانت رايح تخطب

انهاردة هنتكلم علي حاجة مهمة جدا جدا ، وهي الرؤية الشرعية ، يعني ايه الرؤية الشرعية وليه بتتعمل وايه اصولها ... الرؤية الشرعية : هي نظرة شرعية ربنا حللها للمسلم وهو رايح يتق...

ظاهرة الدياثة وإنعدام الغيرة

يقول ابن القَيِّم - رحمه الله -: "إذا ترحلت الغَيْرة من القلْب، ترحلت منه المحبَّة، بل ترحل منه الدِّين كله ... من فترة ليست بطويلة ، كان يوجد زوج اتفق في التجهيز لعُرسه مع زوجته أن  ترتدي فستان محتشم .. وإذ به يتفاجئ عند مصفف الشعر بمخالفتها لطلبه وخلعها للحجاب تماماً بل أنها ارتدت فستان مكشوف الصدر .. وعند إعتراضه وجد من أهلها الصد والإتهام بالجهل والتخلف ، بعد رفضهم لطلبه وإستحالة قبوله لما فعلوه .. قام بتطليق زوجته قبل الزفاف ، وتبدل حال الليلة وانقضت دون اتمام العُرس ... يشيب رأسي وأنا أري الأب والأخ أو حتي الزوج يترك بناته ونسائه يخرجن في الشرفات دون حجاب بل بملابس كاشفة لا يصح ظهورها لرجال غرباء ،  بحجة أن الشرفة جزء من المنزل .. لا والله أليست مكشوفة من الطريق كله .. والأدهي والأمّر من يترك عرضه خارجاً من داره وهو متاح لجميع الناس كي يشاهدوه ويتحدثوا عن تفاصيله ... إن من المُخزي الآن انعدام الغيرة واعطاء تبريرات وأعذار لمجرد عدم الشعور  بالذنب .. لماذا يتغافل الناس في أفراحهم عن الحجاب بحُجة أنها ليلة واحدة وليلة العمر وهكذا دواليك ، ألن تكتمل الأفراح بالحجاب ،...

خيالات حقيقية 3

هل تريد معرفة الحقيقة ؟ هل تريد أن تعرف من أنا ؟  أنا ... لم أكذب لم أسرق لم أقتل لم أمر بقتل أحد لم أدنس نفسي لم أملأ نفسي حقدا لم أشته زوجة جاري لم أكن سببا في دموع انسان لم أكن سببا في شقاء حيوان لم أعذب نباتا بأن نسيت أن أسقه ماءا  أنا... أطعمت الجائع رويت العطشان كسوت العريان كنت..  عينا للأعمي يدا للمشلول رجلا للكسيح أنا لم ألوث ضميري أنا ملأت قلبي بالحق والعدل والإستقامة