التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكبائر .. تفصيل مُيسر ج 1

الحمدلله مُعز من أطاعه واتقاه ، ومُذل من خالفه وعصاه ، ونحمده علي حلو نعمته ومر بلواه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا نعبد إلا إياه ، ونشهد أن محمد عبده ورسوله - صلي الله عليه وسلم -  .

لا شك أن الناس متفاوتون في عبادتهم لله تعالي ، وهذا عائد إلي أن الأيمان غير ثابت الدرجات وتتحدد درجة الإيمان حسب تفاوت درجة ألوهية الله في قلوب العباد زيادة ونقصان ، مقسماً العباد إلي ثلاث درجات ، أدناهم : الظالم لنفسه : وهو الذي يظلم نفسه بإرتكاب المعاصي دون الكفر ، وأوسطهم : المقتصد : وهو الذي يقيم الفرائض ويجتنب الكبائر حظه من النوافل قليل ، أعلاهم : السابق بالخيرات : وهو الذي يقيم الفرائض الأساسية وله حظ كبير من النوافل يتقرب بها إلي الله ، هذا لا يعني أن أحدهم معصوم من الذنوب ولكن بني أدم متفاوتون في ارتكاب الذنوب ، وتنقسم حالة الظالم لنفسه لثلاثة حالات ، الأولي : من يرتكب الذنوب مُستتراً ، الثانية : أن يجاهر بها ، الثالثة : أن يزيد علي المجاهرة بها بالدعوة إليها .. وتلك أكثرهم شراً وربما فجوراً .





" المعصية "

لغةً : العصيان هو خلاف الطاعة ، ويقول صاحب {لسان العرب} : العصيان خلاف الطاعة ، عصي العبد ربه إذا خالف أمره ، وعصي فلان أميره يعصيه عصياً وعصياناً ومعصيةً إذا لم يُطعه فهو عاصي وعَصِيّ ،وقال {الجرجاني} : العصيان هو ترك الإنقياد .

أما شرعاً : المعاصي : ترك المأمورات وفعل المحظورات ، أو ترك ما أمر به الله وأوجبه في كتابه وفعل ما نهي عنه من أفعال وأقوال ظاهرة وباطنة.

جاء معني العصيان بألفاظ كثيرة في القرآن :
الذنب ، الخطيئة ، السيئة ، الحوب ، الإثم ، الفسوق والعصيان ، الفساد ، العُتُوُ .

ومن المعلوم أن للمعصية متعلقات كثيرة ، بحسب الزمان والمكان كما يلي :

فأما الزمان : فإن المعصية في بعض الأوقات أعظم منها في وقت آخر .. كالأشهر الحرام ، ورمضان ، وعشر ذي الحجة ... إلخ

أما المكان : لا شك أن بعض الأماكن أفضل من بعض وأيمن ، فأفضل بقاع الأرض عند الله مكة المكرمة ، ثم المدينة المنورة ، ثم بيت المقدس .. كما أن الحسنات فيها مضاعفة ، والسيئة فيها عند الله عظيمة  ليست كغيرها.





" الفِسق "

لغةً : العصيان والترك لأمر الله ، والخروج عن طريق الحق.  فسق يفسق ، ويفسق فسقاً ، وفسوقاً ...
والعرب تقول : إذا خرجت الرطبة من قشرتها : قد فسقت الرطبة من قِشرها ، وكأن الفأرة إنما سميت فويسقة لخروجها من جحرها علي الناس.
والفِسقُ : الخروج عن الأمر ، وقيل الفسوق : الخروج عن الدين ، وكذلك الميل إلي المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربه ، وفسق عن أمر ربه ، أي جار ومال عن طاعته .

شرعاً : هو الخروج عن طاعة الله تعالي ، سواء كان الخروج كفراً أو معصية ، يقول بن تيمية : الفسق هو ارتكاب الكبائر قصداً ، أو الإصرار علي الصغائر بغير تأويل ، وعلي هذا فإن المتأول المعذور لا يُفَسّق ولا يُؤَثّم .
وبنحوه قال السخاوي : هو ارتكاب الكبيرة ، أو الإصرار علي الصغيرة.
وقال الجرجاني : من شهد ولم يعمل ، واعتقد فهو فاسق.
" ما ذهب الجرجاني أعلاه ، جنوح عن جادة طريقة السلف في تعريف الإيمان ، فهو قد عرف الفسوق علي طريقة تعريف المرجئة للإيمان  !! ، حيث أخرجوا مُسمي العمل عن تعريف الإيمان ، لذا كان الفاسق المِلي عندهم مؤمناً كامل الإيمان إذا أقر وشهد ، ولو لم يعمل خيراً قط !!
أما ما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أن الإيمان : { قول وعمل ، يزيد وينقص } ، فكان الإيمان عندهم حقيقة مُركبة من القول والعمل.

جاء معني الفسق بعدة ألفاظ في القرآن :
بمعني الكفر ، الإثم ، الكذب ، السب ، بمعني مخالفة أمر الرسول ، بمعني المعصية من غير شرك.






" الكبائر "

لغةً : قال في اللسان : الكِبرُ ، الإثم الكبير ، وما وعد الله عليه النار ، والكبيرة كالكبر : التأنيث علي المبالغة .

وذكرت الكبائر في القرآن  ، وفي الحديث الشريف ذُكرت في غير موضع.  واحدتها كبيرة وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعاً لعظيم أمرها : كالقتل ، والزنا ، والفرار من الزحف ، وغير ذلك .

وبناء علي ما سبق فإن للكبائر عدة أشكال وتفاسير ، لذا سأذكر أشهرها وأقواها تجنباً للإطالة ، هذا إن علمنا أن أهل العلم قد اختلفوا في تعريف الكبيرة علي ضابطين لا ثالث لهما وتحت كل ضابط أقوال ، أوضحهم كما يلي :
الضابط الأول : من ذكرها بِحَدّ .
الضابط الثاني : من ذكرها بِعَدّ .

أما أهل الضابط الأول ، فلهم أقوال كثيرة :
قال الغزالي عن الكبيرة : " كل معصية يقدم المرء عليها من غير خوف ، ووجدان ندم تهاوناً ، واستجراء عليها : فهي كبيرة.  وما يُحمل علي فلتات النفس ، ولا ينفك عن ندم يمتزج بها ، ويُنغص التلذذ بها فليس بكبيرة ، واعترض العلائِيُّ وقال : ...وليس كذلك اتفاقاً ، وإن كان ضابطاً لما هو عدا المنصوص عليه فهو قريب " .
والقيد الذي ذكره العلائِيُّ جيد مع التحفظ ، لأن الإنسان يقع في المعصية وهو يعلم أنها كبيرة ، وهو خائف ، ويجد ندماً علي فعله كالزنا مثلاً ، ولكن هذا لا يخرجها عن كونها كبيرة.

قال القُرطبيُّ عن الكبيرة : " كل ذنب عظّم الشرع التوعد عليه بالعِقاب ، وشدده ، أو عظم ضرره في الوجود .. فهو كبيرة ، وما عداه فهو صغيرة " .

رُويّ عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : " الكبائر كل ذنب ختمه الله تعالي بنارٍ ، أو غضبٍ ، أو لعنةٍ ، أو عذابٍ " وبنحوه مَروي عن الحسن البصري.


فأما أهل الضابط الثاني ، فلهم أقوال كثيرة :
روي عبدالرازق ، والطبراني  ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال عن الكبائر : " هن إلي السبعين أقرب منها إلي السبع " ، إشارة إلي حديث " اجتنبوا السبع الموبقات " ...

وعند النظر فيما ذُكر من كون الكبائر مُنظبطة بِعَدّ ، ليس بسديد ، ففيه من الفوادح والإعتراضات ، ما يقطع برده!! 

فهذا بن تيمية - رضي الله عنه - يرد علي هذه الأقوال ويقول : " ومن قال : هي سبعة عشر ، فهو قول بلا دليل ، ومن قال : إنها مُبهمة ، أو غير معلوم ، فإنما أخبر عن نفسه : أنه لا يعلمها " .






" الصغائر "

عرفنا الكبائر وقدمنا شرحها ، لسهولة تعريف الصغائر ، وهي كل عمل لم يقترن نهيه بلعن أو وعيد ، أو غضب ، فتلك هي الذنوب الصغيرة التي تجتمع فتؤدي للكبائر ولذلك نهينا أيضاً عن فعلها ، ووجب علينا تجنبها .

وهذه بعض الأمثلة عن الصغائر :
- النظر إلي النساء الأجنبيات { أن زنا العينين ، والأذنين ، واللسان ، واليد ، والرجل التي نبهنا لها الرسول - صلي الله عليه وسلم - في حديثه ، هي من اللَّمَمِ ، وهي صغائر الذنوب }
- الخروج من المسجد بعد الآذان.
- الإختباء يوم الجمعة ، والإمام يخطب.
- البُصاق في المسجد .
- الإلتفات في الصلاة.
- وضع اليد علي الخصر أثناء الصلاة.
- رد الريحان.
- أكل الثوم والبصل ، والذهاب للصلاة في المسجد .
- قول المستأذن : أنا ، إذا قيل من هذا ؟ .
- الخصومة في المسجد .

اعلم يا أخي هذا القول وافهمه جيدا " لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الإستغفار "
واحذروا من محقرات الذنوب فإنها إن تراكمت أصبحت حِملاً يثقل كاهل صاحبه ويصعب حياته.




يتبع بإذن الله ...







                                             

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أهم 10 حاجات وانت رايح تخطب

انهاردة هنتكلم علي حاجة مهمة جدا جدا ، وهي الرؤية الشرعية ، يعني ايه الرؤية الشرعية وليه بتتعمل وايه اصولها ... الرؤية الشرعية : هي نظرة شرعية ربنا حللها للمسلم وهو رايح يتق...

ظاهرة الدياثة وإنعدام الغيرة

يقول ابن القَيِّم - رحمه الله -: "إذا ترحلت الغَيْرة من القلْب، ترحلت منه المحبَّة، بل ترحل منه الدِّين كله ... من فترة ليست بطويلة ، كان يوجد زوج اتفق في التجهيز لعُرسه مع زوجته أن  ترتدي فستان محتشم .. وإذ به يتفاجئ عند مصفف الشعر بمخالفتها لطلبه وخلعها للحجاب تماماً بل أنها ارتدت فستان مكشوف الصدر .. وعند إعتراضه وجد من أهلها الصد والإتهام بالجهل والتخلف ، بعد رفضهم لطلبه وإستحالة قبوله لما فعلوه .. قام بتطليق زوجته قبل الزفاف ، وتبدل حال الليلة وانقضت دون اتمام العُرس ... يشيب رأسي وأنا أري الأب والأخ أو حتي الزوج يترك بناته ونسائه يخرجن في الشرفات دون حجاب بل بملابس كاشفة لا يصح ظهورها لرجال غرباء ،  بحجة أن الشرفة جزء من المنزل .. لا والله أليست مكشوفة من الطريق كله .. والأدهي والأمّر من يترك عرضه خارجاً من داره وهو متاح لجميع الناس كي يشاهدوه ويتحدثوا عن تفاصيله ... إن من المُخزي الآن انعدام الغيرة واعطاء تبريرات وأعذار لمجرد عدم الشعور  بالذنب .. لماذا يتغافل الناس في أفراحهم عن الحجاب بحُجة أنها ليلة واحدة وليلة العمر وهكذا دواليك ، ألن تكتمل الأفراح بالحجاب ،...

خيالات حقيقية 3

هل تريد معرفة الحقيقة ؟ هل تريد أن تعرف من أنا ؟  أنا ... لم أكذب لم أسرق لم أقتل لم أمر بقتل أحد لم أدنس نفسي لم أملأ نفسي حقدا لم أشته زوجة جاري لم أكن سببا في دموع انسان لم أكن سببا في شقاء حيوان لم أعذب نباتا بأن نسيت أن أسقه ماءا  أنا... أطعمت الجائع رويت العطشان كسوت العريان كنت..  عينا للأعمي يدا للمشلول رجلا للكسيح أنا لم ألوث ضميري أنا ملأت قلبي بالحق والعدل والإستقامة