تاريخ تكوّن من ثنائية الأحرف في كلمة " عز " أو ثلاثيتها في كلمة " قوة " ، تاريخ سطرته أشد قوة بشرية وُجِدت على هذه الأرض ، تاريخ قادته المادة الخام للأمة الإسلامية ، نقطة فاصلة في تاريخ أمم محتها آلة الحرب لقوات التحالف الإسلامي ، وهنا أكثر ما يشغلني أن أقوم بإيصال هذه الرسالة من الجَد الأعظم ثانياً في الترتيب لحكام الأمة بعد وفاة خير البشر - صلى الله عليه وسلم - وهذه الرسالة رغم صِغر محتواها إلا أنها تفتح أمام العين والعقل الكثير والكثير من النوافذ الدالة علي شخصية قائلها وتُعبر عن فلسفته في الحياة التي تأثرت بالقرآن وتكونت من خلال تدبره ، وهذا الجد هو فاروق الأمة عُمر بن الخطاب .. والله ثم والله جاءت إلى عقلي كثير من كلمات التمجيد والتعظيم ولولا أني أعرف أن جدي لم يكن ليُحب هذا وربما غضب عليّ ماكنت تأخرت لحظة في تدوينها ؛ فهو في حياته بسيط لا يحب المبالغة ولا التكلف .. رحمك الله يا سيدي وجدي وخير سلف أعزنا الله بك ورضى عنك .
* إن كان يوجد تعقيب أو توضيح أو بيان لمعاني أي كلمة سيكون بعد المقولة مباشرة .
" من سمع حديثاً ، فأداه كما سمع ، فقد سَلِمَ "
* إن كان يوجد تعقيب أو توضيح أو بيان لمعاني أي كلمة سيكون بعد المقولة مباشرة .
" من سمع حديثاً ، فأداه كما سمع ، فقد سَلِمَ "
- وهذا إن دل على شئ دل على شخصية مُربية ليس فقط حاكم لرعية
بل هو يسعى لتأمين إحتياجهم الأساسي من الأخلاق ، فيقطع الطرق بهذا علي التأويل وكل القيل والقال .
عن ذكر الله - تعالى -
" عليكم بذكر الله فإنه شفاء ، وإياكم وذكر الناس فإنه داء "
- يأتي عمر ليبين للناس ما جهلوه عن معرفة وهو أن الخير في إجتناب ذكر الناس وكلامهم .
في العجب بالنفس
" إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ، ومن قال : أنا عالم فهو جاهل ، ومن قال : أنا في الجنة فهو في النار "
- في مدرسة عمر أن الرجل بعمله وليس بقوله ، ولهذا قدم تلك النصيحة البسيطة في تركيبها القوية في معناها .
في أنواع البشر
" شر الناس ثلاثة : متكبر على والديه يحقرهما ، ورجل سعى في فساد بين رجل وامرأة ينصره عليها غير الحق حتى فرق بينهما ثم خلف بعده ، ورجل سعى في فساد بين الناس بالكذب حتى تعادوا وتباغضوا "
- شر الناس الذي تعلم عنه تحقير والديه لا ينفعك في شئ ولا يمكن أن تأمنه علي نفسك ، والذي يسعى في خراب البيوت رغبة منه في رزق أخيه من الزوجة هو إنسان مريض أعماه غله ونقصه ، وأكثرهم شراً الذي يمشي في الوقيعة بين الناس وينشر سمومه بينهم .
في العمل
" إني لأرى الرجل ، فيُعجبني ، فأقول : له حرفة ؟ فإن قالوا : لا ؛ سقط في عيني "
- هذا يؤكد على وجوب وجود عمل أو مهنة / حرفة يتقنها المسلم حتي لا يتسول ويلجأ لأي أحد ويكفيه الله برزق يديه عن كل مهانة وعوز .
سمع رجلا يثني على رجل ، فقال :
" { أسافرت معه ؟ } ، قال : لا . قال : { أخالطته ؟ } ، قال : لا . قال : { والله الذي لا إله غيره ما تعرفه } . "
- هذا هو الدليل الذي انبثقت عنه أمثالنا الشعبية في كيفية معرفة البشر ، فنحن لا نعلم الرجل إلا بالمخالطة والتجربة في الشدائد والعمل والتجارة وإلا فإن قضينا الدهر في المعاملة السطحية نبقى لا نعرف إلا ما يريد إظهاره لنا .
المؤاخاة والصداقة
" إياك ومؤاخاة الأحمق ، فإنه ربما أراد أن ينفعك فضرك "
- كلي يقين أنها لا تحتاج إلى شرح أو تعقيب فهي شارحة لنفسها مبينة للمعنى ، والمغزي واضح وصريح .
في الحقوق
" من خاف الله لم يَشفِ غيظه ، ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد ، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون "
- من صفات المسلم الموحد المؤمن بقضاء الله وحكمه أنه يقف عند الحدود ولا يتمادى في أخذ حقه ، وإن تأخر حقه فالله لا يهمل وإنما هو الممهل ، يوم القيامة عند الله تجتمع الخصوم ويأخذ كل ذي حقٍ حقه .
في الزواج
" لا تُكرهوا فتياتكم علي الرجل القبيح ، فإنهن يحببن ما تحبون "
- كم من أهل زماننا الآن في حاجة لتلك المقولة ويتدبروها جيدا ، يا أيها الأباء وأيها الأمهات إياكم وإجبار بناتكم على زوج لا يرغبوه فتنغصوا عليهم حياتهم بسبب مصالح أو أفكار عندكم أنتم فقط .
في العلم
" تعلموا العلم وعلموه الناس ، وتعلموا له الوقار والسكينة ، وتواضعوا لمن تعلمتم منه ومن علمتموه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يُقَوَّم جهلكم بعلمكم "
- نصيحة لكل عالم ولكل متعلم يجب أن نسطرها في مدارسنا وجامعاتنا ، فإن تجبر كل من تعلم حرف بعلمه لن نمتلك المخزون الذي نحتاجه من علماء ونتيجة لهذا يمكن أن يَنفُر الناس من التعلم والعلماء على حد سواء وتصاب الأمة في مقتل .
حدث أن جارية فجرت فأقيم عليها الحد ثم تابت وحسنت توبتها ، فجاء عمها يسأله : أيُفشى سرها ؟
" فقال له عمر : زوجها كما تزوجون صالح نسائكم "
- السِتر ..!! ، يضرب لنا جدي وجدكم أقوى مثال في روح الرجولة والشهامة ، ربما تخطئ فتاة أو يخطئ شاب ويريد الله له السُتر وتأتي أنت بكلماتك تنغص عليه حياته وتتابع متوالية المصائب فربما يعود لمعاصيه أو يفقد الأمل من حياته وتكون بهذا نصرت الشيطان على إخوانك وأخواتك ، بماذا تستفيد ؟
كان يوجد مجلس به من الشباب والكهول فقال عمر :
" لا يمنع أحداً منكم حداثة سنّه أن يشير برأيه ، فإن العلم ليس علي حداثة السن أو قدمه ، ولكن الله يضعه حيث شاء "
- نرى الآن مواقف كثيراً ما تزعجنا في شرح الفكرة أو الإدلاء بدلونا في موضوعٍ ما ، وما قاله الفاروق في زمن فات إنما هو الآن ما يمكن أن نُطلق عليه .. المساحة الأمنة للتعبير عن الرأي .
في الورع
" لقد تركت تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام "
- تلك نصيحة قوية تخاطب أهل كل زمان ، فعلينا أن نتبين كل ما ندخل به وكل رأي نقوله وكل خطوة نخطوا بها ؛ عسى نراها من أول وهلة في تصنيف العادي ولكن إذا تمكنا من التفكير بعمق ورؤيتها من زاوية مختلفة نرى ما بها ضلال .
" خذوا بحظكم من العزلة "
- العزلة التي تأتي بفائدة وتعود بالخير ، العزلة التي نقيم بها أنفسنا في أمور الدنيا ، العزلة التي نحاسب بها أن نُحاسب ، العزلة لا تعني الإنقطاع عن الناس .
" الجِبْتُ : السحر ، والطاغوت : الشيطان ، وإن الشجاعة والجبن غرائز تكون في الرجال ، يقاتل الشجاع عمن لا يعرف ، ويفر الجبان عن أبيه ، وإن كرم الرجل دينه ، وحَسَبَه : خُلقه ، وإن كان فارسيا أو نبطيا "
نبطيا : تعود إلى الأنباط وهم قوم كانوا يسكنون العراق وما حولها .
- كما علمنا الإسلام أن لا فرق بين الناس إلا بالتقوى ، يأتي عمر ليؤكد هذا ويوضحه ويشرحه فاصلاً في معانيه وألفاظه ، فيعلمنا أن الجُبْتُ هو السحر والطاغوت هو الشيطان اللذان نكفر بهما في أذكارنا كل صباح ومساء ، وأن صفات الشجاعة والجبن تكون في الرجال يرزق الله بها من يشاء ويمنع عمن يشاء .. فالجبان يفر عن أبيه خوفاً وهرباً ، والشجاع إنما يقف للحق ويقاتل عن أي كان وإن كان لا يعرفه ، وواجب علينا أن لا نفرق بين البشر إلا حسب خلقهم ولا نفرق بين المسلمين إلا حسب دينهم وشرفهم ، وإن كانوا عرب أو أعاجم أو فُرس .
" أفلح منكم من حُفظ مِن الهوى والطمع والغضب ، ليس في ما دون الصدق من الحديث خير ، من يكذب يفجر ، ومن يفجر يهلك ، إياكم والفجور ، وما فجور عبد خُلق من تُراب ، وإلى التراب يعود ، وهو اليوم حي ، وغداً ميت ؟ ، اعملوا يوما بيوم ، واجتنبوا دعوة المظلوم ، وعدوا أنفسكم من الموتى "
- يعلمنا جدنا من العلم الذي أتاه الله أن أسوء الصفات التي يجب علينا الإبتعاد عنها هي الطمع والهوى والغضب ، وأن نحافظ على الصدق ونبتعد عن الكذب ؛ فالكذب يصل بنا للفجور وما نحن إلا من تراب وإليه نعود فماذا إن فجرنا وكنا غداً من الأموات ؟ ، هي دنيا فانية لا تسوى .. لا تسوى أن نظلم أحد أو نجور على حق من حقوق العباد .
نظر إلي شاب نكس رأسه ، فقال له :
" يا هذا ! ارفع رأسك ؛ فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب ، فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه ؛ فإنما أظهر نفاقاً نفاق "
- التواضع لله ثم للناس فلا يجب أن يعدوا تواضعنا للناس إلا أن يكون تواضع متعاون مبنيّ على الإحترام والأخلاق ، ليس لنية القول بأننا نتواضع فقط فهذا ينتقل لمرحلة النفاق والنفاق يأخذ الإنسان للإعجاب بالنفس ثم يؤدي للكبر والغرور ، أما التواضع لله فهو مبني علي الخشوع ومعرفتنا بمنزلة الله الخالق الذي لا نسوي شئ دونه .
" أعربوا القرآن ، فإنه عربي ، وتفقهوا في السنة ، وأحسنوا عبارة الرؤيا ، فإذا قص أحدكم على أخيه فليقل : اللهم إن كان خيراً فلنا ، وإن كان شراً فعلى عدونا "
- لا يحتاج للتوضيح أي حرف من هذه الرسالة ، ولكنها تؤكد على ضرورة إهتمامنا بلغتنا العربية ، ومراجعة دائمة للسنة مع تعمقنا بفهمها ورؤيتها من كافة الجوانب حتى نفهم المغزى من أفعال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وإن أتتك رؤيا فعليك بهذا الدعاء إن نويت أن تقصها على أحد .
حين أتاه خبر فتح القادسية
" أعوذ بالله أن يبقيني الله بين أظهركم حتى يدركني أولادكم من هؤلاء "
قالوا : ولم يا أمير المؤمنين ؟ ، قال : " ما ظنكم بمكر العربيّ ودهاء العجميّ إذا اجتمعا في رجل ؟! "
- نحسب أن عُمر كان رزق لأمة الإسلام إذا ولى الله رجلاً يملك بُعد النظر هذا .
خير الرجال من يستطيع إعطاء تعريف مبسط ميسر مفصل في بضع كلمات عن معنى السيادة الحق فنرى عُمر - رضي الله عنه - يقول :
" السيد : الجواد حين يُسأل ، الحليم حين يُستجهل ، الكريم المجالسة لمن جالسه ، الحسنُ الخُلق لمن جاوره "
هذا بعض ما اخترت من رسائل جدنا إلى أهل زمانه وإلينا فنحن الآن أولى بها ، رحم الله عمر ورضى عنه إذ فتح عليه برؤيا وبُعد نظر مبني علي فهم قرأني قوي .
تعليقات
إرسال تعليق